فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن عباس: هو المعرض عن الحق.
وقال مقاتل: هو المتكبر.
وقال قتادة: هو الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله.
وقيل: العنيد هون المعجب بما عنده.
وقيل العنيد الذي يعاند ويخالف: {من ورائه جهنم} يعني هي أمامه وهو صائر إليها قال أبو عبيدة: هو من الأضداد يعني أنه يقال: وراء بمعنى خلف وبمعنى أمام وقال الأخفش: هو كما يقال: هذا الأمر من ورائك يعني أنه سيأتيك: {ويسقى} يعني في جهنم: {من ماء صديد} وهو ما سال من الجلد واللحم من القيح جعل ذلك شراب أهل النار.
وقال محمد بن كعب القرظي: هو ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر وهو قوله: {يتجرعه} أي يتحساه ويشربه لا بمرة واحدة بل جرعة بعد جرعة لمرارته وحرارته وكراهته ونتنه: {ولا يكاد يسيغه} أي لا يقدر على ابتلاعه.
يقال: ساغ الشراب في الحلق إذا سهل انحداره فيه.
قال بعض المفسرين: إن يكان صلة والمعنى يتجرعه ولا يسيغه وقال صاحب الكشاف: دخلت يكاد للمبالغة يعني ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة وقال بعضهم ولا يكاد يسيغه بعد إبطاء لأن العرب تقول ما كدت أقوم أي قمت بعد إبطاء فعلى هذا كاد أصلها وليست بصلة، وقال ابن عباس: معناه لا يجيزه.
وقيل: معناه يكاد لا يسيغه ويسيغه فيغلي في جوفه.
عن أبي إمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: {ويسقى من ماء صديد يتجرعه} قال: «يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره قال وسقوا ماء حميمًا فقطع أمعاءهم وقال وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا» أخرجه الترمذي. وقال: حديث غريب. قوله: وقعت فروة رأسة أي جلدة رأسه وإنما شبهها بالفروة للشعر الذي عليها.
وقوله تعالى: {ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت} يعني أن الكافر يجد ألم الموت وشدته من كل مكان من أعضائه.
وقال إبراهيم التيمي: حتى من تحت كل شعرة من جسده وقيل يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه، ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وما هو بميت فيستريح.
وقال ابن جريج: تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة: {ومن ورائه} يعني أمامه: {عذاب غليظ} أي شديد قيل: هو الخلود في النار.
قوله تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} هذا كلام مستأنف منقطع عما قبله وهو مبتدأ محذوف الخبر عند سيبويه تقديره فيما نقص، أو فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا والمثل مستعار للقصة التي فيها غرابة، وقوله: {أعمالهم كرماد} جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول: كيف مثلهم فقال: {أعمالهم كرماد}.
وقال المفسرون والفراء: مثل أعمال الذين كفروا بربهم فحذف المضاف اعتمادًا على ما ذكره بعد المضاف إليه.
وقيل: يحتمل أن يكون المعنى صفة الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد كقولك في صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول والرماد معروف وهو ما يسقط من الحطب والفحم بعد إحراقه بالنار، اشتدت به الريح يعني فنسفته وطيرته ولم تبق منه شيئًا في يوم عاصف، وصف اليوم بالعصوف والعصوف من صفة الريح، لأن الريح تكون فيه كقولك: يوم بارد وحار وليلة ماطرة لأن الحر والبرد والمطر توجد فيهما وقيل: معناه في يوم عاصف الريح فحذف الريح لأنه قد تقدم ذكرها وهذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار التي لم ينتفوا بها، ووجه المشابهة بين هذا المثل وبين هذه الأعمال هو أن الريح العاصف تطير الرماد وتذهب به وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى منها شيء وكذلك أعمال الكفار تبطل، وتذهب بسبب كفرهم وشركهم حتى لا يبقى منها شيء ثم اختلفوا في هذه الأعمال ما هي فقيل: هي ما عملوه من أعمال الخير في حال الكفر كالصدقة وصلة الأرحام وفك الأسير وإقراء الضيف وبر الوالدين، ونحو ذلك من أعمال البر والصلاح فهذه الأعمال، وإن كانت أعمال بر لكنها لا تنفع صاحبها يوم القيامة بسبب كفره لأن كفره أحبطها وأبطلها كلها وقيل: المراد بالأعمال عبادتهم الأصنام التي ظنوا أنها تنفعهم فبطلت وحبطت ولم تنفعهم البتة، ووجه خسرانهم أنهم أتعبوا أبدانهم في الدهر الطويل لكي ينتفعوا بها فصارت وبالًا عليهم.
وقيل: أراد بالأعمال الأعمال التي عملوها في الدنيا وأشركوا فيها غير الله فإنها لا تنفعهم لأنها صارت كالرماد الذي ذرته الريح وصار هباء لا ينتفع به وهو قوله تعالى: {لا يقدرون مما كسبوا} يعني في الدنيا: {عمل شيء} يعني من تلك الأعمال والمعنى أنهم لايجدون ثواب أعمالهم في الآخرة: {ذلك هو الضلال البعيد} يعني ذلك: الخسران الكبير لأن أعمالهم ضلت وهلكت، فلا يرجى عودها والبعيد هنا الذي لا يرجى عوده. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا}
أقسموا على أنه لابد من إخراجهم، أو عودهم في ملتهم كأنهم قالوا: ليكونن أحد هذين.
وتقدير أو هنا بمعنى حتى، أو بمعنى إلا أن قول من لم ينعم النظر في ما بعدها، لأنه لا يصح تركيب حتى، ولا تركيب إلا أن مع قوله: لتعودن بخلاف لألزمنك، أو تقضيني حقي والعود هنا بمعنى الصيرورة.
أو يكون خطابًا للرسل ومن آمنوا بهم.
وغلب حكم من آمنوا بهم لأنهم كانوا قبل ذلك في ملتهم، فيصح إبقاء لتعودن على المفهوم منها أولًا إذ سبق كونهم كانوا في ملتهم، وأما الرسل فلم يكونوا في ملتهم قط.
أو يكون المعنى في عودهم إلى ملتهم سكوتهم عنهم، وكونهم إغفالًا عنهم لا يطالبونهم بالإيمان بالله وما جاءت به الرسل.
وقرأ أبو حيوة: ليهلكن الظالمين وليسكننكم، بياء الغيبة اعتبارًا بقوله: {فأوحى إليهم ربهم}، إذ لفظه لفظ الغائب.
وجاء ولنسكننكم بضمير الخطاب تشريفًا لهم بالخطاب، ولم يأت بضمير الغيبة كما في قوله: {فأوحى إليهم ربهم}.
ولما أقسموا بهم على إخراج الرسل والعودة في ملتهم، أقسم تعالى على إهلاكهم.
وأي إخراج أعظم من الإهلاك، بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبدًا، وعلى إسكان الرسل ومن آمن بهم وذرياتهم أرض أولئك المقسمين على إخراج الرسل.
قال ابن عطية: وخص الظالمين من الذين كفروا، إذ جائز أنْ يؤمن من الكفرة الذين قالوا المقالة ناس، وإنما توعد لإهلاك من خلص للظلم.
وقال غيره: أراد بالظالمين المشركين، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} والإشارة بذلك إلى توريث الأرض الأنبياء ومن آمن بهم بعد إهلاك الظالمين كقوله تعالى: {والعاقبة للمتقين} ومقام يحتمل المصدر والمكان.
فقال الفراء: مقامي مصدر أضيف إلى الفاعل أي: قيامي عليه بالحفظ لأعماله، ومراقبتي إياه لقوله: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} وقال الزجاج: مكان وقوفه بين يدي للحساب، وهو موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة كقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} وعلى إقحام المقام أي لمن خافني.
والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء: أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} ويجوز أن يكون الفتاحة وهي الحكومة، أي: استحكموا الله طلبوا منه القضاء بينهم.
واستنصار الرسل في القرآن كثير كقول نوح: {فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني} وقول لوط: {رب نجني وأهلي مما يعملون} وقول شعيب: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} وقول موسى: {ربنا إنك آتيت فرعون} الآية.
وقول ابن زيد: الضمير عائد على الكفار أي: واستفتح الكفار على نحو ما قالت قريش: {عجِّل لنا قطنا} وقول أبي جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة.
وكأنهم لما قوي تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة، ظنوا أن ما جاؤوا به باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح: {فأتنا بما تعدنا} وقوم شعيب: {فأسقط علينا كسفًا} وعاد: {وما نحن بمعذبين} وبعض قريش: {فأمطر علينا حجارة} وقيل: الضمير عائد على الفريقين: الأنبياء، ومكذبيهم، لأنهم كانوا كلهم سألوا أن ينصر المحق ويبطل المبطل.
ويقوي عود الضمير على الرسل خاصة قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن: واستفتحوا بكسر التاء، أمرًا للرسل معطوفًا على ليهلكن أي: أوحى إليهم ربهم وقال لهم: ليهلكن، وقال لهم: استفتحوا أي: اطلبوا النصر وسلوه من ربكم.
وقال الزمخشري: ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا، والفتح المطر في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة الرسول فلم يسقوا، فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيّب رجاء كل جبار عنيد، وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر وهو صديد أهل النار.
واستفتحوا على هذا التفسير كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم انتهى.
وخاب معطوف على محذوف تقديره: فنصروا وظفروا.
وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل، وتقدم شرح جبار.
والعنيد: المعاند كالخليط بمعنى المخالط على قول من جعل الضمير عائدًا على الكفار، كأن وخاب عطفًا على واستفتحوا.
ومن ورائه قال أبو عبيدة وابن الأنباري أي: من بعده.
وقال الشاعر:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ** وليس وراء الله للمرء مهرب

وقال أبو عبيدة أيضًا، وقطرب، والطبري، وجماعة: ومن ورائه أي ومن أمامه، وهو معنى قول الزمخشري: من بين يديه.
وأنشد:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ** يكون وراء فرج قريب

وهذا وصف حاله في الدنيا، لأنه مرصد لجهنم، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها، أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف.
وقال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ** وقوم تميم والفلاة ورائيا

وقال آخر:
أليس ورائي إن تراخت منيتي ** لزوم العصا نحني عليها الأصابع

ووراء من الأضداد قاله: أبو عبيدة والأزهري.
وقيل: ليس من الأضداد.
وقال ثعلب: اسم لما توارى عنك، سواء كان أمامك أم خلفك.
وقيل: بمعنى من خلفه أي: في طلبه كما تقول الأمر من ورائك أي: سوف يأتيك.
ويسقى معطوف على محذوف تقديره: يلقى فيها ويسقى، أو معطوف على العامل في من ورائه، وهو واقع موقع الصفة.
وارتفاع جهنم على الفاعلية، والظاهر إرادة حقيقة الماء.
وصديد قال ابن عطية: هو نعت لماء، كما تقول: هذا خاتم حديد وليس بماء، لكنه لما كان بدل الماء في العرف عندنا يعني أطلق عليه ماء.
وقيل: هو نعت على إسقاط أداة التشبيه كما تقول: مررت برجل أسد التقدير: مثل صديد.
فعلى قول ابن عطية هو نفس الصديد وليس بماء حقيقة، وعلى هذا القول لا يكون صديدًا ولكنه ما يشبه بالصديد.
وقال الزمخشري: صديد عطف بيان لماء قال: ويسقى من ماء، فأبهمه إبهامًا، ثم بينه بقوله: {صديد} انتهى.
والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات، وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي، فأعرب: {زيتونة} عطف بيان: {لشجرة مباركة} فعلى رأي البصريين لا يجوز أن يكون قوله: {صديد}، عطف بيان.
وقال الحوفي: صديد نعت لماء.
وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك: هو ما يسيل من أجساد أهل النار.
وقال محمد بن كعب والربيع: هو غسالة أهل النار في النار.
وقيل: هو ما يسيل من فروج الزناة والزواني.
وقيل: صديد بمعنى مصدود عنه أي: لكراهته يصد عنه، فيكون مأخوذًا عنه من الصد.